السنابل
كم من سنبلة
تنتصب ثائرة , متعالية صوب الافق , وكم من اخرى تنحني بخجل و تفترش الارض .
تتلاعب النسمات
العليلة بالاولى , اما الثانية فلا تقدر عليها اشد الرياح .تقاوم بصمت , و تحتمل
ثقل ثمرها دون ان تتذمر او تكل .
جذورها متينة
عميقة , تمتد بتنسيق و جمال بعكس "المنتصبة" التي تفتقر الى الثمر اولا
و تعاني من ضعف جذورها و قصر ديمومتها ثانيا .
عجيبة , غريبة
هذه الدنيا . تفتقر الى المنطق احيانا .
نتجرع من كاس
الطيبات منذ نعومة اظفارنا .
مباديء صادقة و
نية حسنة, انسانية ملائكية و محبة سماوية .
كل شيء من
حولنا وردي اللون , صاف صفاء السماء في ليلة تموزية.
يحيط بنا
الحنان و الحب من كل جانب من جوانب البيت.
نتعلم الصدق ,
و الامانة , الاحترام و الفضيلة التي نفضلها على المال و الجاه .
و تمر بنا
السنين , و تتغير ملامحنا الخارجية دون اي تغيير في داخلنا .
الى ان ياتي
اليوم الذي نترك به البيت العتيق لنخرج الى العالم من حولنا .
للوهلة الاولى
يسيطر علينا الشغف بما نرى هناك .
كل شيء في
عيوننا جميل . كل شيء في عقولنا بديع رزين .
فصول السنة
كلها ربيع مزهر ينثر عطره في كل مكان , و الوانه الزهية ترسم لوحة تخالها صورة من
الجنة .
و ها هيا تلك
السنابل المتعالية التي حدثتكم عنها , تنتصب هناك بين بقية الزرع ولكن لا يعيرها
احد أي اهتمام .
يا الله ! كم
هي جميلة دنيانا .
متناسقة بحلوها
و مرها . بنهارها و ليلها . بسماءها صيفا و شتاء .
حتى شوكها له
من الورد نصيب .
و رويدا رويدا
تتبدل الصورة , و تصبح الالوان باهتة , و يتساقط زهر الليمون و يفقد الوجود
رونقه .
اذ ان المباديء
في واقع الامر اصبحت عملة صعبة . و الصدق من شيم السفهاء . و احترام الذات و
الغير يفسر على انه الضعف بذاته.
و الانسانية ؟
أي انسانية هذه و قد اصبح المال مقياسها والجاه معياره عدد الدنانير في الجيوب ؟
و الحب بين
الناس ! ما اتفه ان نتطرق لذلك في وقت يراقب فيه كل واحد صحن غيره بنظرات طامعة
بكل ذرة من رزقه .
اما التواضع
فيفسر على انه التخفي وراء انعدام القدرات و نقص الثقة بالنفس .
اعود و اقول :
كم هي عجيبة غريبة هذه الدنيا و تفتقر الى المنطق احيانا ! ام اننا نحن
البشر من نفتقرلذلك ؟
انظر في عيني
ولدي كل مساء عندما ياوي لفراشه بعد تلاوة صلاته وادعو بدوري له بان يكون كالسنبلة
المنحنية , صاحبة الثمر الجيد و الحبات الممتلأة وان لا يعير اهتماما
لجاراته الفارغة
مهما ازدادت
قامتها طولا .
الدكتور ماهر فوزي زبانة