يتعرض الأبناء لكثير من المواقف و المعتقدات
بما يخص الجنس و الحياة الجنسية . و بسبب التطور الهائل الذي يطرأ يوميا على
تقنيات المعلوماتية ووسائل الإعلام , فإنهم يتمتعون بفرصة الحصول على معلومات خاصة
في هذا المجال بكل سهولة , بعكسنا نحن الأكبر جيلا, حيث أن مجرد النطق بكلمة
" جنس " كان من الممنوعات في حينها .
و تكمن الخطورة في كون أن المعلومات قد لا
تكون دقيقة و تؤدي الى تشويش أفكارهم لاحقا في حياتهم و قد لا يكون لديهم الشجاعة
الكافية للتوجه إلينا , نحن الآباء , بإستفساراتهم عن هذا الموضوع بسبب الخجل تارة
, و بسبب إمتناع الأهل عن الإستجابة لهذا المطلب تارة أخرى بحجة أن الموضوع سابق
لأوانه , بينما السبب الحقيقي هو عدم وجود الخبرة الكافية لديهم للبدء في هكذا
نقاش .
هنا تكمن أهمية التثقيف الجنسي الصحيح
للأبناء , و خاصة في فترة ما قبل البلوغ وأثنائها , حيث أن الهدف الرئيسي منه هو
السعي للتقليل من المخاطر المترتبة على النتائج السلبية للسلوك الجنسي , و خاصة
السيء منه , و منع إنتشار الأمراض الجنسية , و كذلك تحسين نوعية العلاقات بين
الشباب و تنمية قابليتهم على إتخاذ قرارات مناسبة خلال حياتهم كلها .
بألتثقيف الجنسي الصحيح , ننمي لديهم
المعتقدات الصحيحة عن الجنس و الهوية الجنسية و العلاقات الحميمة الشرعية بين
الجنسين و نمنحهم الفرصة لبناء و تشكيل طريقة صحيحة للتصرف لديهم فيما بعد .
كذلك فإن الثقافة الجنسية الصحيحة , و في
السن المناسب , تهتم بموضوع تنمية مهارات الشباب و صغار السن بحيث يستطيعون بناء
قدراتهم و إختياراتهم في موضوع السلوكيات العامة و تنمية الشعور بالثقة و التصرف
بكفائة في موضوع الإختيار .
و حتى لا يساء فهمي , فإن المهارات التي يحصل
عليها أبنائنا من التثقيف الجنسي الصحيح ليست بالضرورة مهارات جنسية , بل مهارات
حياتية عامة , كالتواصل مع الأخرين و التباحث معهم و مناقشتهم و البحث معهم عن
أصول المساعدة و النصح , و هي مهارات يمكن الإستفادة منها في العلاقات الزوجية
لاحقا . و هذا سيساعدهم في التفريق بين ما هو دقيق او غير دقيق .
كذلك , فإن التثقيف الناجح يتناول أمورا
حساسة لها علاقة بالجنس من منظور إجتماعي و نفسي , كالإجهاض و منع الحمل . و
علينا, نحن الآباء , أن لا نخيف ابنائنا من موضوع الجنس . بل بالعكس , يجب علينا
أن نستغل أية فرصة تتاح لنا للوقوف على ما بحوزة الأبناء من معلومات و ثقافة لها
علاقة بموضوع الحياة الجنسية و البدء بطرح هذا الموضوع عليهم و التباحث في أمره و
إعطائهم النصح ,كل حسب تطوره الجسماني و الفكري و النفسي .
بالإضافة لواجبات البيت و الأهل التثقيفية
تجاه الأبناء ,يقع عبء كبير على المؤسسات التعليمية و المدارس , حيث أن التثقيف
فيها يجري بصورة منهجية ضمن دروس منظمة يتفاعل من خلالها الطالب مع المعلم و مع
زملائه . و في كثيرمن دول العالم المتحضرة , يتم إشراك الأهل في هذه البرامج حيث
تتعاون المدرسة معهم في زيادة وعي الأبناء و إعطائهم المعلومة الصحيحة و حينها
تكون الفرصة متاحة للأهل للإستمرار بتطوير ثقافة ابنائهم الجنسية و صقلها بشكل
صحيح من خلال التواصل معهم أثناء وجودهم في البيت .
كذلك فإن لمؤسسات المجتمع التثقيفية و
العلمية كافة , بما فيها المراكز التي تعنى بالصحة النفسية , دور هام في هذا
المجال .
و من الأمور التي يجب أن يتناولها التثقيف
الجنسي الصحيح و الناجح ,التغيرات الجسدية و الأحساس الذي يصاحب سن البلوغ . كذلك
موضوع التلقيح و الإنجاب و الأمراض الجنسية ومن ضمنها مرض نقص المناعة المكتسب . و
مع تقدم الأبناء بالسن , يجب التطرق لموضوع تنظيم الأسرة و العلاقات الحميمة بين
الجنسين مع التأكيد على قدسية الزواج و الإلتزام به و التأكيد على الحب المتبادل
بين الزوجين و إحترام القوانين التي تتعلق بالسلوك الجنسي و العلاقات الإجتماعية
عامة و يجب إطلاعهم على و جهات النظر الدينية و الثقافية بما يختص بالحياة الجنسية
.
كثيرا ما نتسائل عن السن المناسب للبدء في
عملية التثقيف الجنسي للأبناء . و يتفق اصحاب الشأن على أهمية البدء بذلك مبكرا ,
قبل سن البلوغ و قبل أن يتطور لدى صغارنا سلوك معين له علاقة بالجنس . و يجمع الباحثون
في هذا الموضوع على أن العمر المناسب للبدء يعتمد على التطور الجسماني و الفكري و
النفسي لدى الأبناء بالإضافة لمستوى الفهم لديهم .
فلنتسلح بالجرأة اللازمة و نشرع في وضع فلذات
أكبادنا على الطريق الصحيح لما له من تأثير كبير على نموهم الفكري و النفسي , و نمنحهم
الثقة بالنفس و نطلعهم على خبايا الأمور بكل موضوعية ووضوح يتناسب مع سنهم , و
لنكن نحن البادئون بطرح الموضوع لأنه من الضروري أن نعرف أن لديهم صفة الحياء وقد
لا يسألون , لكن هذا لا يعني أنه ليس لديهم ما يسألونه .
الدكتور ماهر زبانة